أنا طالبة جامعية مشكلتي بدأت منذ عشر سنوات تقريبا تربينا في بيئة جامدة في بيت أشبه بالفندق لا نجتمع فيه إلا للطعام والنوم ولا تربط بيننا أية مشاعر إنسانية.
وفي ذلك العام كنت قد بلغت الثانية عشر تعرضت لأكثر ثلاثة أشياء تأثيراُ في حياتي
أولها أنني وجدت نفسي فجأة وبلا مقدمات أمام فيلم جنسي ولم أكن أعي معنى هذه الكلمة بتاتا, وثانيها أن والدي كان ينتظر فرصة غياب الجميع عن المنزل ويفعل معي أشياء لا أدري إلى الآن إن كانت مجرد مداعبات من أب لابنته أم رغبات رجل من إمرأة
واعذروني إن صارحتكم وقلت (أنه كان يبطحني أرضاً ويبدأ في ضربي بعنف قليل وقد كان يضع لسانه في فمي ويحاول وضع لساني في فمه ويعضني من خدي وإلى الآن يحاول أحيانا إدخال يده إلى كتفي وظهري.
وذلك فقط عندما نكون وحدنا أو تكون الكهرباء مقطوعة وأكون في غرفة بعيدة عن وجود الأسرة ولكن الأمر لم يتجاوز الضرب الخفيف والعض أي يظهر بأنه يعاقبني بعد أن يبحث عن سبب لذلك)
أما الحدث الثالث فهو تعرفي على شيء كان جديدا علي في ذلك الوقت ولأول مرة أسمع به وهو كلمة حب وحنان وحضن.
تلك قد تكون بدايات مشكلتي التي أعاني منها الآن وهي أنني أشعر بإثارة جنسية كلما تذكرت كلمة وحب وحنان أو سمعتها أو قلتها أو رأيتها أو ضمتني إحدى صديقاتي وبعدها أشعر بذنب كبير
خاصة عندما أذهب إلى الحمام وأرى ما خرج مني رغم قناعتي بأنه لا ذنب لي فيما يحدث وأن تفكيري طاهر جدا ولا أفكر إلا في الشعور بالحب والحنان من إنسانة تحبني وتهتم بي ولكني الآن ابتعدت عن جميع صديقاتي إلى أن أعرف منكم لماذا يحدث هذا؟؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ... وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، و نشكر لك ثقتك في موقعنا " المستشار " ، و نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا الصواب في الرد على استشارتك ، و أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه و يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
تحدثت أختي الكريمة عن أكثر ثلاثة أشياء تأثرت بها حياتك ، و الحقيقة أنني عندما قرأتها وجدتها كلها تدور حول سبب أو شيء واحد وهو العلاقات الجنسية.
بداية برؤيتك لهذا الفيلم الإباحي ومرورا بالتحرش الجنسي الذي تتعرضين له من أبيك ، ووصولا إلى الارتباط السلوكي الذي يظهر عليك كلما احتضنك بعض صديقاتك أو سمعت كلمات الحب والحنان.
وسيكون ردي على استشارتك في هذه النقاط التالية:
أولا : شجاعة ... وقوة:
اسمحي لي بنيتي العزيزة أن أهنئك على هذه الشجاعة التي وهبك الله إياها ، والتي دفعتك للكتابة إلينا عن هذه المشكلة.
و كما يقولون إن كتابة المشكلة التي يتعرض لها الإنسان وقراءتها لهي أولى خطوات العلاج ، فكتابتك لنا عن هذه الذكرى المؤلمة هي بمثابة المسمار الأخير في نعشها .
كما أحيي فيك هذه الشجاعة والقوة التي جعلتك تتخطين هذه الذكرى المؤلمة ، فكم من فتيات تعرضن لمثل هذه المشكلة فسببت لهم الكثير من الآلام النفسية التي جعلتهم يفقدون الثقة فيمن حولهم .
ثانيا : سبب الإثارة الجنسية:
إن ما يحدث معك أختي الكريمة ، من إثارة جنسية عندما تتعرضين لموقف فيه أحضان مع بعض صديقاتك أو عند سماعك لكلمات الحب والحنان إنما هو ناتج من الخبرة التي مررت بها عندما شاهدت ذلك في الفيلم الإباحي ، وكذلك لارتباطه بما فعله أبوك معك ، وبالتالي فإنه يظهر عليك كلما مررت بمواقف مشابهة.
و بالتالي فلا بد لنا أن نتخلص من هذه الخبرة السلوكية المقترنة بذلك . وسأحدثك عن ذلك بإذن الله تعالى في نهاية رسالتي .
ثالثا: لست الوحيدة:
هناك من هي في مثل حالتك ، وتعرضت لما تعرضت له ، ولكن من المؤسف أنه لا يوجد عدد كاف من الإحصائيات المتعلقة بهذه القضية في الوطن العربي . وكما تقول الدكتورة ليلى الأحدب في كتابها " ألف باء الحب والجنس " وهو كتاب نشر في عام 2003 م :
" إن البحث عن الدمار داخل الأسرة صعب إذ لا نستطيع أن نحدد بدقة عدد الأطفال الذين تعرضوا في العالم العربي إلى تحرش جنسي داخل أسرهم لتكتم الأطراف المعنية فقط نورد هنا بعض الأمثلة لدول عربية أعلنت عن الإحصاءات:
في الأردن : تبين سجلات عيادة الطب الشرعي في وحدة حماية الأسرة بالأردن أن عدد الحالات التي تمت معاينتها خلال عام 1998 قد بلغ 437 حالة ، شملت 174 حالة إساءة جنسية على الأطفال كانت مصنفة حسب ما يلي : ( 48 حالة إساءة جنسية.
كان المعتدي فيها من داخل العائلة ، و79 حالة إساءة جنسية كان المعتدي فيها معروف للضحية - قريب أو جار أو غيره، و47 حالة كان الاعتداء على الطفل فيها من قبل شخص غريب) في لبنان : أظهرت دراسة صادرة عن جريدة لوريان لوجور أن المغتصب رجل في جميع الحالات، وأن الضحية شملت 18 فتاه و10 صبيان تتراوح أعمارهم بين سنة ونصف - 17 سنة .
وأشار المؤتمر الرابع اللبناني لحماية الأحداث إلى ارتفاع عدد الاعتداءات الجنسية على القاصرين خاصة الذكور منهم ، على يد أقرباء لهم أو معتدين قاصرين .
في مصر: تشير أول دراسة عن حوادث الأطفال في مصر أعدتها الدكتورة فاتن عبد الرحمن الطنباري أستاذ الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس إلى أن حوادث الاعتداء الجنسي علي الأطفال تمثل 18% من إجمالي الحوادث المختلفة للطفل.
وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية فقد اتضح أن النسبة هي 35% له صلة قرابة بالطفل و 65% ليست له صلة بالطفل .
وليس الهدف من الاستشهاد بهذه النماذج هو تهوين الأمر ، أو تهويله ، أو من باب أن تكون الرؤيا لمجتمعنا رؤية سوداوية ، و لكني استشهدت بتلك النماذج وهذه الحالات لنأخذ منها العبرة والعظة.
وحتى لا نصبح كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال عندما ترى الخطر ، فالأمر فعلا جد خطير – بالرغم من أنه لا يمثل ظاهرة – ويحتاج فعلا منا أن نفتح ذلك الملف ، وأن نحاول جاهدين معالجة ذلك الأمر .
فعلى أحد مواقع الشبكة العنكبوتية – كما تقول الدكتورة ليلى" وجه السؤال التالي: هل الاعتداء الجنسي على الطفل وباء فعلا ؟ والجواب كان نعم فواحدة من أصل سبع بنات وواحد من أصل خمسة صبيان يتعرضون للاعتداء الجنسي قبل سن الثامنة عشرة. وذكر أن 90% من الأطفال يعرفون من اعتدى عليهم جنسيا.
ونادرا ما يكونون الغيلان أو الوحوش التي تتوارى في ملاعبنا وحدائقنا.
وأورد جملة لأحد الآباء المصابين بهذه الظاهرة: ( وددت لو أن الآخرين أنفسهم يعلمون ما يمكن أن يكون حادثا تحت أسقف بيوتهم ).
رابعا: لماذا تأخرت رسالتك؟
ابنتي الكريمة ، لماذا كان موقفك سلبيا عندما تعرضت للتحرش الأول من هذا الأب الذي تجرد من كل مشاعر الأبوة ، و بدلا من أن يصبح هو الحامي لعرضك كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أَلا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنهُم ) رواه البخاري. إذ به يكون أول الناهشين له !!
فلماذا لم تتخذي موقفا منه ؟ ولماذا تأخرت رسالتك أكثر من عشرة أعوام ، ولماذا لم تخبري من حولك ممن تثقين فيهم بما تتعرضين له من هذا الذئب البشري ، و الشبيه بالإنسان ، وصاحب الفطرة المنتكسة ، والنفس الخبيثة ؟!
فربما كان اتخاذك موقفا معه منذ زمن هو سبب علاجه وشفائه من هذا الأمر ، وهذه جملة جميلة وواقعية من أحد ضحايا الاعتداء الجنسي في أمريكا كتبها تعاطفا مع المعتدي عليه: ( بدون معالجة أو مساعدة كيف سيعترف الجاني بجنايته ؟ لا أحد يريد التعرض لماضيه المظلم خاصة إذا لم يوجد ضوء ينيره ويشفيه).
لذلك أشير عليك بالآتي:
- عليك بسلاح الدعاء ، واطلبي من ربك أن يغفر لوالدك ما فعله ، واطلبي له الرحمة من المولى تبارك وتعالى . وليكن لسان حالك مخاطبا له:( أنت لا تعرف مدى التأثير الذي تركه فعلك علي مهما كنت قد استصغرته, لذلك لا أملك لك إلا الدعاء أن تشفى حتى لا تعيد ما فعلته بي مع أحد آخر ).
- كتمان هذا الأمر ، وأن يموت هذا السر مع موت أبيك ، إلا إذا تجدد منه ما كان يفعله ، ولا أظن ذلك يكون إن شاء الله تعالى .
- مسامحتك لوالدك – بالرغم من صعوبة الأمر عليك و أعذرك في ذلك – هي أولى خطواتك نحو الحياة الصحية التي تنشدينها ، و كذلك هي بمثابة التسامح مع نفسك .
- عليك بمحاولة نسيان تلك المرحلة بشكل جاد ، و أن تعيشي حياتك دون أن تحملي عقدة الذنب معك ، ودون أن تحملي نفسك ما لا تطيق ، فليس عليك من وزر ما فعله أبوك شيء ، و ليكن نظرك إلى تجربتك معه على أنها تجربة شاذة .
- حاولي أن تعرضي نفسك على طبيبة نفسية ، لتساعدك في التخلص من آثار هذه المشكلة ، وأن تساعدك على تخطيها بشكل صحي دون أن تؤثر في علاقاتك بالآخرين وخاصة الرجال منهم .
- اصرفي الأفكار السيئة من خاطرك ، كلما مررت بموقف فيه حميمية مع صديقة لك ، و لا تستسلمي لتلك الأفكار السلبية ، بل حاولي جاهدة أن تفكري في شيء مختلف في هذا الموقف ، و لا تجعلي خبرة الماضي تسيطر على مستقبلك .
- في أوقات فراغك اشغلي نفسك بقراءة القرآن ، و التلذذ بذكر الله تعالى ، والانشغال بكل ما يعود بالنفع عليك في الدنيا والآخرة ، و لا تفكري فيما رأيته أو مررت به من مواقف تذكرك بالجنس في أثناء يومك .
- عليك بالصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله ، و تدلك وتساعدك على فعل الخير .
- أشيعي في منزلكم الجو الإيماني ، عن طريق تشغيل لتلاوات القرآن التي تملأ القنوات الفضائية ، أو عن طريق الحاسب الآلي .
- حاولي عدم الجلوس على انفراد مع والدك ، وإذا جمعتكم الظروف فأسرعي إلى الصلاة ، فلا يراك إلا ساجدة بين يدي الله تعالى أو تالية لآيات القرآن .
- تعاملي معه في المنزل كتعاملك مع الشخص الأجنبي عنك ، فكوني وقورة في ملبسك وكلامك ، وتصرفاتك أمامه .
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينسيك ذكراك المؤلمة ، وأن يبارك لك حياتك المقبلة ، وأن يرزقك الزوج الصالح ، وأن يمتعك بالصحة والعافية .
الكاتب: أ. عصام ضاهر
المصدر: موقع المستشار